حكاية الفتاة ملالا يوسف زاي وكيف ارهبت طالبان - ملالا يوسف زاي
كانت الفتاة ملالا يوسف زاي، البالغة من العمر 14 سنة، في طريقها إلى منزلها على متن حافلة مدرسية في ما بعد ظهيرة أحد الأيام، لكنها في هذه اللحظة تكافح من أجل حياتها في أعقاب صعود رجل مسلح يضع قناعا على وجهه إلى حافلتها، وتم السؤال عنها بالاسم، وإطلاق النار عليها في الرأس والعنق.
ولقد تم استهداف ملالا من قبل طالبان باكستان، لأنها على امتداد السنوات الثالث الماضية، جهرت بموقفها المدافع عن حقوق الفتيات في التعليم. وبعد حادثة اطلاق النار الخسيسة هذه، قال ناطق باسم طالبان إن الحركة تعتبر حملة ملالا المدافعة عن حق التعليم "فاحشة" واتهمها "بنشر" الثقافة الغربية. وإذا تماثلت للشفاء، وقدر لها أن تنجو، فإن الحركة تعد بمحاولة قتلها مجددا.
عقلية طالبان
منذ 11 عاما، استفاقت أميركا على عقلية طالبان الهمجية. والنظام الذي فرضته في أفغانستان كان مكرسا في جانب منه للقمع الوحشي والقهر السافر للنساء. ولم يكن يسمح للنساء بالتعلم أو ارتياد المدارس. وكانت شرطة طالبان تسير دوريات في الشوارع، وتقوم بضرب النساء ممن غامرن بالخروج من منازلهن، وممن لم يكن يرتدين زيهن "بشكل مناسب" أو ممن تجرأن على الضحك بصوت عال. ولم يكن بمقدور النساء انتعال الأحذية التي كانت تصدر كثيرا من الضجة، وكانت أظافر أرجلهن تقطع لاقترافهن "جريمة" وضع طلاء أظافر.
اليوم، تم دحر طالبان، لكنها ما زالت تعمل في أجزاء من أفغانستان وفي المناطق الشمالية والغربية من باكستان على الحدود الأفغانية. والمدينة التي اطلقت فيها النار على ملالا، وتدعى مينغورا، تقع في وادي سوات في باكستان، وهي على الخطوط الأمامية للمعارك ضد متشددي طالبان.
في عام 2007، تمكنت طالبان من السيطرة على وادي سوات، قبل أن يجري طردها منه على نحو واسع النطاق في صيف عام 2009 بهجوم للجيش الباكستاني. وخلال فترة توليها السلطة هناك، أغلقت طالبان مدارس الفتيات ودمرتها، ولم تترك وراءها إلا بعض الأطلال، وفرضت تفسيرها الخاص للشريعة، وحظرت سماع الموسيقى في السيارات.
تدمير المدارس
في ربيعها الحادي عشر، بدأت ملالا الكتابة عن تجربتها، للاحتجاج على ما كان يحصل في وطنها، وقامت بإنشاء مدونة لبرنامج محطة "بي بي سي" البريطانية بلغة الأوردو. ووصفت كيف أنها كانت ترتدي الملابس البسيطة، وليس الزي المدرسي الرسمي، كي لا يعرف احد أنها كانت ترتاد المدرسة، وكتبت عن كيفية قيامها وفتيات أخريات "بإخفاء كتبهن تحت الوشاح". ومع ذلك، بعد قيام طالبان بإغلاق مدرستها، لم يكن أمام ملالا من خيار إلا البقاء في منزلها والتوقف عن الدراسة.
وفي مدونة أخرى كتبت: "تم تدمير خمس مدارس أخرى، وإحداها كانت بالقرب من منزلي. وأنا مستغربة تماما لأن تلك المدارس كانت مغلقة فلماذا كان من المطلوب تدميرها أيضا؟"، وبعد بضعة أسابيع كتبت: "أشعر بالحزن وانا أشاهد الزي المدرسي، وحقيبة الكتب وصندوق تعلم الحساب" و"مستاءة" لأن إخوتي بإمكانهم الذهاب إلى المدرسة، فيما لا أستطيع ذلك".
ولقد حلمت ملالا بأن تصبح طبيبة، لكنها أصبحت، أخيرا، مهتمة بالسياسة والدفاع عن حقوق الطفل. في عام 2011، كانت مرشحة لجائزة السلام الدولية للأطفال، التي أثنت على شجاعتها في الوقوف مع حقوق الفتيات في التعليم وسط صعود النزعة المتشددة، في وقت كانت هناك قلة من الراشدين يفعلون ذلك. وفي السنة الماضية، منحت جائزة السلام الوطني الأولى للشباب في باكستان. وهذه هي إنجازات فتاة شابة أخافت إلى هذا الحد حركة طالبان.
اليوم بالنسبة إلى ملالا والعديد من الفتيات مثلها، لا نستطيع أن ننتظر أكثر، بل يتعين علينا البدء بتحسين عالمهن.
تحدي الشمولية
اتسمت الإدانات التي وجهت ضد محاولة اغتيال ملالا يوسف زاي بالسرعة والقوة. ووصفت الحكومة الأميركية المحاولة "بالهمجية" و"الجبانة"، وقال رئيس الوزراء الباكستاني: "ملالا هي مثل ابنتي، وابنتكم، وإذا ما سادت هذه العقلية، فابنة من ستكون في أمان؟" وقال قائد الجيش الباكستاني إن طالبان "فشلت في فهم أنها ليست شخصا فحسب، وإنما رمزا للشجاعة".
لكن مجرد الحديث في أعقاب هذا العمل الشنيع ليس كافيا. فملالا تلهمنا لشجاعتها في تحدي العقلية الشمولية التي فرضها الآخرون عليها. وحياتها تمثل مستقبلا اكثر إشراقا لباكستان وللمنطقة. ويجب أن نرفع الصوت عاليا قبل حصول مثل هذه الأفعال، والعمل على ضمان عدم حدوثها مجددا، والحفاظ على شجاعتنا للاستمرار في التصدي لوحشية وهمجية طالبان. لقد رفضت ملالا يوسف زاي غض الطرف والنظر إلى الجهة الأخرى. ونحن ندين لها ولشجاعتها وتضحيتها بالقيام بالشيء نفسه.
0 Comments:
إرسال تعليق